قصه مؤثره جدا جدا

وردة فتاة في الثامنة عشر من عمرها..جميلة ذكية تعيش في قرية صغيرة من قرى (الصعيد الجواني). مولعة بالرسم تستشرف في كل ماتراه موضوعات تصورها رسماً معبراً جميلاً.بارعةً في مزج الألوان..ماهرةً في إبراز التفاصيل الدقيقة.يشجعها في ذلك والدها الطبيب الجراح الذي كان لها كل شئ في حياتها بعد أن رحلت والدتها عن الحياة, والذي يساعد وردة كي تعرض لوحاتها في معارض كثيرة,تحصد منها وردة الجوائز وتشرئب لها الأعناق وتلتهب لها الأيدي بالتصفيق. وفي إحدى تلك المرات التي حازت فيها وردة جائزة يضمها والدها فخوراً بها قائلاً لها :أتدرين يابنتي لماذا أسميتك وردة ؟
تقول وردة : ولماذا ياأبي؟
يقول أبيها: لأنك حين ولدت رأيت فيك جمال الورد.. واستشرفت أنكِ ستملئين الدنيا عطراً وعبيراً.
هنا إحتضنت وردة والدها ضاحكة , وهي تشعر أن شهادة والدها لها أجمل شهادة تقديرِلها في حياتها.
عادت وردة بعد تلك السفرة إلى قريتها مع والدها وقدخبأ لها القدر أمراً.. كانت تركب بجوار والدها تنظر من نافذة السيارة التي يهزها طريق متهالك في وسط القرية.. تتأمل ماحولها لعلها تستشرف موضوعاً جديداً ترسمه في مستقبلها.وقد مرّ بجانب السيارة حماراً هزيلاً يحمل ماتراه وردة طناً من البرسيم تفترشه سيدة وولديها يجره رجلُ يحمل سوطاً يضرب به الحمار المهلك المتعب ولكن تأملها لم يدم طويلاً فقد إنحرفت عجلة القيادة من يد السائق لتنقلب السيارة.. تفيق وردة بعدها في إحدى المستشفيات لتجد والدها مات وقد منحها حياة جديدة حين إحتضنها يخبأها من الموت بين أضلاعه. ليبقى لها عماً لم يكن يشبه أباها أبداً. فلم يكن متعلماً تجتمع في ملامحه قسوة الكد والشقاء شعرت فيها وردة أن أباها حماها من قدر الموت في الحادث ليسلمها إلى موت من نوع آخر.
يصطحبها عمها إلى الدار .. وقد إستقبلتها زوجة عمها بأوزة بيضاء مليحة تذبحها في طشت حديدي كبير .. ولاتدري وردة لماذا أخافها ذلك هذه المرة. فهي معتادة على رؤية الأوز وهو يذبح.. يقطع خوفها فتاة صغيرة في الثامنة من عمرها تركض ناحيتها تحتضنها بفرحة غامرة... تلك الطفلة التي تحبها وردة كثيراً فهي إبنة عمها التي حين ولدت إحتار اهل البيت في تسميتها فطلب والد وردة منها أن تختار لها إسماً فرأت أن تسميها (أمل) وقد إتخذتها وردة أختاً لها فهي تشبهها كثيراً... وكانت كثيراً ما تجلسها بجانبها وهي ترسم لوحاتها .وقد أخبرتها الصغيرة المتفوقة في دراستها يوماً أنها تود أن تصبح طبيبةً ناجحةً كعمها.
تمر بعدها أياماً قليلة لتجد وردة أن أهل البيت قد أجمعوا أمرهم على تزويجها من إبن عمها الذي يعمل في أعمال البناء قائلين :إن وردة فتاة طائشة متطلعة.. وهم أولى بمنع العار.. وهناك شئ آخر(جحاأولى بلحم طوره) تسمعهم وردة وقد التقطت أذنها كلمة من بين الكلمات تلطم قلبها (عار)؟!!! فكيف فجأة تتحول الفتاة الموهوبة المقدرة من الجميع إلى عار؟!!..... هنا تصرخ وردة قائلة: لا أريد أن أتزوج ألآن.. سأكمل تعليمي الجامعي سألتحق بكلية الفنون الجميلة.. يبادرها عمها بصفعات متوالية قائلاً :فنون.. رقص ..مغنى..قلة ادب) ومع تزايد الصفعات تتناقص الكلمات تتدرج بعدها وردة إلى صمت مطبق إتخذته ملاذاً لها تداوي فيه أحزانها.
وعاشت وردة بعدها عشر سنوات وهي شمعة تحترق في حضور وغياب زوجها الذي كان يغيب بالسنوات يقطعها بأشهرِ قليلة يزيد فيها عذابها ووقد أحرق لها في إحدى غضباته الكثيرة عليها جوائزها وشهادات تقديرِ تعتزبها كثيراً ليزيدها ألماً ما تستشعرره وردة طناً تحمله على كاهلها الذي أصبح هزيلاً.
لم يعد لوردة وسط هذا الشقاء سوى بضع بسمات مسروقة مع إبنة عمها (أمل).... ولكن لم تكن أمل البسمة الوحيدة في حياة وردة .. بل كانت هناك بسمة أخرى تخفيها في غرفتها ..صورة رسمتها في جناح الظلام على ضوء شمعة خافتة في ركن بعيد داخل غرفتها تحدثها وقتاَ طويلاً من الليل تحكي وتشكي لها وتكتب لها رسائل كثيرة.
وظلت كذلك إلى أن أتى يوماً عاد فيها زوجها من إحدى سفراته .. يبحث عن شئ فقد له في الغرفة ليجد صندوقاً أسود مخبأُ تحت السرير ..إجتذبه يحاول فتحه ولكنه محكم الغلق .. مماجعله يستخدم مطرقة حديديه ليضربه به ضربة واحدة ينفلق بعدها قفل الصندوق ليخرج أسراره الخفية لأول مرة... وقد استشاط غضبا حينما رأى تلك الصورة ..يقوم بعدها بفتح إحدى الرسائل وهو الذي لايحسن القراءة ليقرأ كلمة واحدة أعلى يمين الصفحة (ياعزيزي) ليزداد غضباً على غضب...يهرول مسرعاًمنادياً وردة يجتذبها من شعرها يسألها:من هذا الرجل الذي في الصورة.
تبكي وردة قائلة: إنها لأبي.
يصفعها قائلاً: أتظنيني ساذجاً.
تؤكد وردة مقسمة: اقسم لك إنها لأبي
يرد بصفعة أخرى: وهذه الرسائل لأبيك أيضاً.
وقد جذبها من شعرها بطول الدار تشيعها أعين شامتة من نساء الدار الاتي كثيراً ماغرن منها... ليلقيها في زريبة مجاورة وقد ألقى الصورة في وجهها قائلا: خذي عارك..وأنا كفيل بأن أداويه..ويتركهاويمضي يدبر لها أمراً.
تلتقط وردة الصورة التي رسمتها في ظل الضوء لتراها لأول مرة في ضوء جلي واضح تحمله إليها أشعة شمس حارقة تتسلل من نافذ الزريبة ..لتجدها وردة ليست صورة لأبيها بل هي لشاب يشبه أباها لديه نفس النظرة والإبتسامة الواثقة المتطلعة الطموحة.. يبو أنيقاً وسيماً .
يعود إبن عمها يحمل حبلاً يبدو لها أنه قد فتله من شاربه الغليظ... يريد أن ينهي به قصة وردة للأبد. تحملها بعدها أعناق غير تلك التي كانت تشرئب لها تقديراً في زمن والدها الفائت..تشيعها دموع كاذبة ليواروها إلى مثواً إرتأو فيه أنه ألأنسب لأمثالها.
...........لكن (أمل) التي أصبحت إبنة الثامنة عشر والتي كانت تراقب مصير إبنة عمها من خلف ستار تسللت في خفاء لتلتقط (صورة وردة) تطويها وتخبأها في صدرها... وتمضي..